..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

هل ثمة حقيقة ضائعة في سوريا؟

ياسر الزعاترة

٣١ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2688

هل ثمة حقيقة ضائعة في سوريا؟
03.jpg

شـــــارك المادة

حدَّث بعض الإعلاميين المرافقين لبعثة المراقبين العرب عن تَحيُّز في نقل الأخبار تُمارِسه بعض وسائل الإعلام، ما يفرض سؤالاً كبيرًا حول قدرة ذلك الانحياز -بفرض وجوده- على إخفاء الحقيقة الأساسية الماثِلَة أمام الأعيُن.
قبل أسابيع كتبنا مقالاً بعنوان: "مراقبون تحت الرقابة" يلخِّص بؤس فكرة المراقبين العرب والجريمة المسبقة التي تَمَّت بحق الشعب السوري يوم وافقت الجامعة على أن يعمل أولئك المراقبون وفق "البروتوكول" المعدَّل تحت رقابة الدولة السورية، أو أجهزة المخابرات بتعبيرٍ أدق.
منذ تلك اللحظة كان طبيعيًّا أن يرَى المراقبون ما يريد النظام لهم أن يروه؛ فهو يحملهم إلى حيث يكون قد رتَّب الأمور لصالحه، ومن العبث الاعتقاد أنَّ نظامًا مدججًا بأقوَى أدوات الأمن، وينتشر مُخْبِرُوه في شرايين البلد بطوله وعرضه، بما في ذلك معسكرات الجيش السوري الحرّ، وداخل التنسيقيات ذاتها، من العبث أنَّ الاعتقاد بأنّ نظامًا كهذا سيسمح لأولئك المراقبين بمشاهدة ما يمكن أن يَصُبَّ في صالح أعدائه.
إنها حكاية لا تختلف عن زيارات مندوبِي الصليب الأحمر للسجون والمعتقلات في العالم الثالث، تلك التي تتمُّ في موعدٍ محددٍ يجري فيه إعداد السجون للزيارة والتأكيد على احترام القائمين عليها لحقوق الإنسان.
ولكن دعونا من ذلك كلِّه، وحدِّثونا بالله عليكم عن "الحقيقة الضائعة" في سوريا اليوم.
لنفترض أنَّ عدد القتلى هو ثلاثة آلاف، وليس ستة آلاف، ولنفترض أنَّ عدد المعتقلين هو عشرة آلاف وليس عشرين أو خمسين، وأنَّ النظام قد أفرج عن الجزء الأكبر منهم -يستطيع أن يعيد اعتقالهم في أي وقت-. هل يغيِّر ذلك في الحقيقة شيئًا؟!
هل يغيِّر ذلك في حقيقة المشهد الماثِل أمام أعين الناس وخلاصته أنَّ هناك شعبًا ثائرًا في وجه نظام دموي، بينما يستند الأخير في بقائه إلى جيشه وأجهزته الأمنية، إضافةً إلى دعم بعض الأقليات والفئات التي ترَى مصلحتها في وجوده، والتي لا تغيّر في حقيقةِ أنَّ غالبية الشعب لم تَعُد تريده؟!
هل هناك عاقل يشكِّك في هذه الحقيقة؟! وإذا كان أكبر حليفٍ للنظام -السيد نصر الله- يعترف بأنه يستند إلى دعم 6 ملايين سوري -يبقى 19 مليونًا-، فهل ثَمَّة حقيقة أخرى تبدو ضائعة بعد ذلك؟!
ستقولون: إنَّ هناك عملاً مسلحًا من قِبَل بعض فئات المعارضة، وهذا شيء صحيح، لكن الصحيح أيضًا أنَّ شيئًا من ذلك لم يكن موجودًا قبل شهور، والأهم أنَّ بروز ذلك العمل المسلح إنَّما يعود إلى أنّ قطاعًا من الناس قد فقدوا إيمانهم بجدوى الاحتجاج السلمي في ظلّ استمرار آلة القتل، فضلاً عن فِرَار عناصر من الجيش وتشكيلها جيشًا آخر -الجيش السوري الحر-. لكن ذلك كله لا يغيّر في حقيقة أنّ غالبية فعاليات الشارع هي فعاليات سلمية تُواجَه بالرصاص الذي كان من المستحيل إطلاقه أمام أعين المراقبين العرب.
ولعلَّنا نسأل هنا: هل كان بوسع المراقبين أن يُؤمّنوا اعتصامًا حرًّا، أو مجرد مهرجان في ساحة الأمويين أو العباسيين، يستطيع الناس أن يصلوا إليه ويعودوا آمنين؟! ليتهم فعلوا ذلك مرَّة واحدة وشاهدوا بأمّ أعينهم تدفق الملايين على نحو يفوق قدرة الميدان على الاستيعاب. وقد لاحظ الجميع كيف انتشر الجيش في ساحات دمشق خلال الأيام الماضية خشية تدفُّق الناس إليها بعد وصول الاشتباكات مع المسلحين المنشقين إلى ريف العاصمة.
مثيرٌ للقهر أن يجري الحديث عن وجه آخر للصورة تُخْفِيه وسائل الإعلام، لا سيما أنَّ ذلك الوجه تظهره وسائل إعلام النظام بشكل أكثر تزويرًا بألف مرة من التزوير المزعوم في وسائل الإعلام الأخرى. وما على المتحدثين باسم بعثة المراقبة العتيدة سوى مشاهدة فضائيات الدنيا والإخبارية السورية والعالم والمنار ومن لفّ لفها ليتأكّدوا من ذلك.
ليس ثَمَّة حقيقة ضائعة في سوريا أيها الناس؛ لأنَّ كل العقلاء يعرفون أنَّ هناك شعبًا ثار على جلَّاديه بعد عقود من القمع، وأن الرد عليه كان بالرصاص الحي، وأسماء الشهداء موجودة ومعروفة، ويمكن فرز من كان منها من عناصر جيش النظام، ومن كان من الناس العاديين، وأي تفاصيل أخرى ليست ذات أهمية؛ لأنَّ الشعب سيواصل ثورته وينتصر فيها مهما كانت المواقف، وأيًّا تكن نصوص التقارير، متجاوزين بالطبع من حكَّموا ضميرهم، وشاهدوا الحقيقة بعين البصيرة أكثر من عين البصر كما هو حال الجزائري أنور مالك الذي تحدث عن وصول الرقابة على المراقبين حد تصويره عاريًا في الحمام!!
لذلك كله ينبغي تثمين القرار العربي بتجميد عمل بعثة المراقبين بعد أن أصبحت شاهد زور على ما يجري، فضلاً عن تصاعد أعداد الشهداء منذ قدومها الميمون، ومنهم الكثير من الأطفال والنساء (هل يحمل هؤلاء السلاح أيضًا؟!).

المصدر: الإسلام اليوم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع