..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

المؤامرة الكبرى

مجاهد مأمون ديرانية

١٣ ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3652

المؤامرة الكبرى
111.jpg

شـــــارك المادة

-1-

مع تقدم الثورة يوماً بعد يوم، ومع إصرار الشعب الثائر على مطالبه وصبره على ثورته؛ وصلنا إلى نقطة لم يعد ممكناً فيها إنهاءُ الثورة إلا بإسقاط بشار الأسد وأركان حكمه -بإذن الله-. هذه الحقيقة أدركَتها القوى الغربية التي تابعت الثورةَ منذ أيامها الأولى، فلم تعد قادرة على الاستمرار في دعم ذلك النظام الذي منحته بركاتها على مر السنين، وقررت -بالتالي- أن تتخلى عنه. ولكن ماذا عن البديل؟
لا بدّ أنهم بدؤوا يتصلون بالمعارضة السورية في الخارج والداخل منذ شهور، وقد بات من المعلوم الآن أنهم مارسوا ضغوطاً كثيرة على أطراف المعارضة المختلفة وصولاً إلى تركيبة ترضيهم وتضمن مصالحهم المستقبلية، في حدودها الدنيا على الأقل، وهذا كله مفهوم لأن الدافع الذي يحرّك تلك الدول ليس دافعاً أخلاقياً أبداً وإنما هو دافع مصلحي كما يعرف الجميع، لذلك سكت أهل الثورة ولم يعترضوا، ولكنهم قرروا أن يَبقوا حذرين وأن يُبقوا أعينهم مفتَّحة.
في وقت لاحق روّجت بعضُ الجهات لحل يسمح ببقاء النظام مؤقتاً مع نقل تدريجي آمن للسلطة يستغرق سنة أو سنتين، لكن الثورة كانت أكثر وعياً من أن تبلع الطعم، وثابرت على التمسك بالهدف المعلن وهو الإسقاط الفوري والكامل للنظام، وفشلت المحاولة المشبوهة لحل الأزمة -بحمد الله-.
بعد ذلك تداولت بعضُ الدوائر الغربية حلاً توفيقياً على الطريقة اليمنية، حيث يتخلى بشار الأسد عن الحكم ويسلّم السلطة إلى نائبه أو إلى شخصية مقبولة غيره، وتُشكَّل حكومة ائتلافية تضم وزراء من السلطة الحالية ومن المعارضة. في هذا السياق تسربت منذ أسبوعين أنباء -لا أستطيع القطع بصحتها- عن خطة أميركية روسية تقضي بأن يحصل بشار الأسد وعائلته على "منفى مريح" في روسيا مقابل الموافقة على نقل السلطة إلى جهة تكون مقبولة من الأميركيين والروس. ولعل ما كشفه أمين الجامعة العربية يمشي في هذا السياق أيضاً، ألم تسمعوا حديثه عن "مساع يقوم بها رؤساء دول ورؤساء حكومات يتصلون بسوريا ويتوسطون لحل الأزمة"؟ وقبل ذلك وبعده راجت أخبارٌ عن عروض لاستضافة بشار في بعض دول أوروبا الشرقية، أو حتى في دولة الإمارات العربية، مع منحه حصانة كاملة من أي مساءلة أو ملاحقة قانونية!
لدينا هنا سؤالان نطرحهما عليكم يا دول العرب ودول الشرق والغرب:
أولاً: من فوّضكم بمنح المجرم الكبير حصانة وضمانة من المحاكمة؟ هل سبق أن منح السوريون أحداً من القتلة والمجرمين في أميركا أو فرنسا أو روسيا أو الإمارات أو غيرها من الدول، هل منحنا أحداً من مجرميكم حصانة من قضاء بلادكم؟ سوف نسأل وسوف نجيب: لم نفعل، ولن نفعل، ولن نقبل أن يفعل ذلك بنا أحدٌ منكم. من حقنا أن نحاكم مجرمينا على أرضنا وأمام محاكمنا العادلة، وإذا صدر الحكم بشنقهم فمن حقنا أن نشنقهم بأيدينا على أعمدة الكهرباء في ساحات بلادنا، أما إذا صدر الحكم ببراءتهم فسوف نَهَبهم لكم لتفعلوا بهم ما تشاؤون.
ثانياً: أنتم تخططون لمنح بشار الأسد وعائلته منفى مريحاً مقابل الموافقة على نقل السلطة إلى جهة تكون مقبولة من الأميركيين والروس. أكرر لكيلا يظن أحد من القراء أني أهزل: "جهة مقبولة من الأميركيين والروس". أي أن أحداً لا يبدو مهتماً برأيكم أنتم يا جمهور الثورة، يا ملايين السوريين الكرام، يا من بذلتم التضحيات الجسام وعشتم في المحنة المئات الطِّوال الثِّقال من الأيام… أنتم لا قيمةَ لرأيكم ولا أهميةَ لرضاكم عمّن يحكمكم، المهم أن ترضى عنه أميركا وروسيا! خسئت أميركا وخسئت روسيا وخيّب الله مسعاهما، وليعلما وليعلم العالم كله أن الثورة هي من تقرر مصيرها، لا يقرر عنها هذا القرارَ أحدٌ غيرُها.
الظاهر أن أميركا والدول الأوربية يظنون أن المجرم الكبير وأخاه الحقير وأعوانهما من كبار المجرمين هم المشكلة وأن إخراجهم من سوريا سيحلها وينهي الثورة، لذلك بدؤوا بجهد محموم هدفه إبعاد هذه المجموعة -أو أكثرها- عن البلاد لإخراجهم من معادلة الحل الصعبة. والمضحك أنهم ما إن طرحوا ذلك المشروع التوافقي حتى قفز فجأة أمام أعيننا اثنان لم نسمع لهما صوتاً منذ بداية الثورة، خدّام ورفعت، وكأن كل واحد منهما يقول: أنا هنا، أنا مستعد لقيادة سوريا في المرحلة الانتقالية! نسي الاثنان أنهما كانا شركاء في نظام الإجرام لسنين طويلة، بل حاول رفعت أن يغسل أدمغتنا وأن يُنسينا أنه قتل منا عشرات الآلاف ذات يوم، وراح يتباكى بدموع التماسيح ويستدر العطف وكأننا شعب بلا ذاكرة… لكن الثورة قطعت عليهما الطريق -بفضل الله- وأعادتهما إلى الجحور التي خرجا منها خائبَين.
لقد انتبه الناس إلى خطورة انتصار الثورة انتصاراً جزئياً فأصروا على الانتصار الكلي ورفضوا مرحلة انتقالية يقودها نائب الرئيس، أي نائب المجرم الكبير، لأن نائبَ المجرم مجرمٌ بالضرورة. ورفضوا حكومة انتقالية مختلطة من شخصيات المعارضة وشخصيات النظام الحالي، ولكنهم لم ينتبهوا إلى الجزء غير المعلَن من المشروع فبقيت تلك الثغرة مفتوحة، ومنها بدأت تتسلل المؤامرةُ الخطيرة الأخيرة.
المشروع الانتقالي تحدث عن رئيس يتخلى عن السلطة لنائبه وعن تشكيل حكومة مؤقتة مختلطة لقيادة البلاد في المرحلة الانتقالية، ولكن متى كانت الحكومات تقود سوريا يا أيها السادة؟ من الذي يقود سوريا ومن الذي يسيطر على الدولة بوزاراتها وإداراتها جميعاً؟ كل سوري يعرف الجواب، إنها أجهزة الأمن. وكيف جاء الأسد إلى الحكم وكيف بقي فيه كل تلك السنين الكئيبة من عمر سوريا؟ أليس بالجيش الذي غيّر الأسد بعد ذلك تركيبتَه الطائفية ليبقى خادماً لنظامه وحارساً شخصياً له ولعائلته بدلاً من حراسة وحماية البلاد؟
ماذا عن أجهزة الأمن وماذا عن الجيش في الحل التوفيقي المزعوم؟ هنا المفاجأة.

-2-

الثورة المباركة تنهي بعد غد شهرَها التاسع؛ تسعة شهور مريرة مترعة بالآلام عاشها الشعب السوري، تعرضت خلالها مدنٌ ومناطق واسعة إلى الاجتياح والتدمير والقتل والتهجير، اجتياح وقتل في مناطق السنّة الثائرة شاركت فيه عصاباتٌ مسلحة جمع النظامُ عناصرَها من القرى العلوية، وكان يمكن للثورة المكلومة أن تصرخ بأعلى صوتها: "إنها حرب طائفية يا أيها العالم"! ولكنها لم تفعل لأنها تعلم أن النظام يريد تلك الحرب ويدفع إليها وهو المستفيد الوحيد منها، فآثرت الثورة أن تعضّ على الجرح بكبرياء وأن تتجاهل ما بدا أنه حرب طائفية يشنّها النظام لقمعها وإنهائها. تسعة أشهر مرّت على هذه المأساة والعالم والغرب يرى ويسمع، ولكنه لم يستنكر ولم يقل مرة واحدة إن في سوريا حرباً طائفية أو حرباً أهلية، وفجأة وُلد هذا المصطلح وراح يطير متنقلاً في الدوائر السياسية الغربية، من وزارة الخارجية الأميركية إلى الفرنسية وصولاً إلى الأمم المتحدة. لماذا؟ لأن عشرين علوياً قُتلوا في حمص -في ظروف أقل ما يمكن أن يُقال إنها غامضة-، أم لأن الجيش الحر هاجم مركزاً من مراكز المخابرات الجوية لتحرير معتقَليه؟
كان يمكن أن نتجاهل تلك الإشارات ونفترض فيها حسن النية، ولكن سرعان ما اتضح أنها مقدمة وتمهيد للموضوع الرئيسي: مستقبل الطائفة العلوية في سوريا.
فجأة بدؤوا يتحدثون عن الحرب الأهلية، ثم تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية عن ضرورة وجود ضمانات لسلامة الطائفة العلوية، وصدر تصريحها العجيب هذا في وقت قريب جداً من صدور تقرير "مجموعة الأزمات الدولية" عن سوريا، وقد صدر في الرابع والعشرين من الشهر الماضي باسم "مياه غير مطروقة: التأمل في تبعات الديناميكيات السورية" وخصّص مساحة واسعة للموضوع نفسه. هل هذا التوافق محض مصادفة؟ أشكّ كثيراً، وعلى كل عاقل أن يشكّ.
لا بدّ من فهم دور "مجموعة الأزمات" وأهميتها في السياسة الدولية قبل الاستمرار في موضوعي الرئيسي، ولكن المقالة ستطول كثيراً لو أردت تقديم صورة مفصلة عنها، لذلك سأكتفي بخلاصة موجزة لا بدّ منها: وُلدت هذه المجموعة منذ ست عشرة سنة على شكل منظمة مستقلة غير ربحية لا تتبع أي حكومة، هدفها المعلَن هو منع النزاعات الدولية قبل حدوثها. مؤسّسو المجموعة وأعضاؤها اللاحقون هم جماعة من السياسيين الكبار الذين كانت لهم مناصب عالية في الدول الغربية، من بينهم نائبٌ سابق للبنك الدولي (وهو -لمن لا يعرف- واحد من أهم الأذرع الاستعمارية للدول الغربية)، ورئيس خارجية أسترالي سابق، وسفير أميركي سابق في الأمم المتحدة، ورئيس الشؤون الخارجية السابق في المفوضية الأوربية… وتضم لجنتها التنفيذية الحالية ستة أشخاص من بينهم الثري العالمي السيّئ الصيت جورج ساورس، المسؤول عن كثير من كوارث الدول الفقيرة في العالم الثالث، ويضم مجلس الأمناء عدداً من الأسماء المشبوهة منهم محمد البرادعي، لعبة أميركا المفضلة في المنطقة، كما تضم قائمةُ مستشاري المجموعة ستين شخصية من دول مختلفة منهم شمعون بيريز!
لمجموعة الأزمات نفوذ كبير على دوائر صنع القرار في الغرب، وتحديداً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأيضاً في الأمم المتحدة. وبغضّ النظر عن الأشخاص الذين يشكلون المجموعة -وكثيرون منهم صهيونيّو الميل والهوى- فإننا نستطيع النظر إلى أفعالها لنحكم عليها بصورة أفضل، وسوف نفاجَأ حينما نجد أن حيادها المزعوم في التعامل مع النزاعات الدولية تَنقضُه أنشطتها وبرامجها العملية، فقد كان لها دور كبير، بل ربما الدور المحوري، في تقسيم السودان، وما تزال تلعب دوراً كبيراً مشبوهاً في أزمة دارفور، كما تدخلت بشكل سافر ومنحاز في النزاع الصومالي الأثيوبي… وبالمقابل لم يصدر عنها أي موقف لا شفهي ولا عملي بشأن الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان، ولم يحصل قطّ أن كان لها رأي مناهض لسياسة إسرائيل العدوانية والاستيطانية، ولا حتى أيام العدوان الإسرائيلي الكبير على غزة قبل ثلاث سنوات.
وها هي مجموعة الأزمات تطلّ اليوم على سوريا بوجهها القبيح، فماذا تريد؟

-3-

اعتماداً على تسريبات وأخبار متفرقة يبدو أن القوم يخططون لإسقاط النظام جزئياً لا كلياً، على أمل أن ينهي هذا الحل التوفيقي الثورةَ ويحفظ لهم مصالحهم على المدى الطويل، ولا سيما مصلحة الكيان الصهيوني الذي هو بيت القصيد في أي مخطط غربي لمستقبل سوريا. الجزء المهم من ذلك الحل التوفيقي هو إخراج الأسد من المعادلة -سواء بنفيه أو قتله- وكذلك أركان حكمه الكبار الذين لن يقبل الشعب ببقائهم بأي حال، وإنشاء حكم ديمقراطي جديد في سوريا. هذا الجزء من المؤامرة هو أهون الجزأين ويمكن بلعه، الثاني أسوأ وأكثر شراً ولا يُبلَع، ولو بُلع فإنه لا يُهضَم: إنهم يخططون لإبقاء أجهزة الأمن والجيش بيد مسؤولين من الطائفة العلوية، مبرّرين ذلك بضمان سلامة الطائفة وللحيلولة دون أعمال انتقامية متوقَّعة في حال سقوط النظام الحالي.
هذه هي بالذات المؤامرة الكبرى التي أشرت إليها في آخر المقالة الماضية، وهذا هو الجزء الذي لم تتحدث عنه علانيةً الخطةُ الانتقالية التي طرحت حلاً للأزمة السورية مشابهاً لحل الأزمة في اليمن، حينما تجاهلت تماماً الإشارة إلى الجيش وإلى أجهزة الأمن على الرغم من أنها هي الجهة الحاكمة فعلاً في البلاد.
أخيراً انكشف الستر وبان الخبيء الذي حرصوا على إخفائه والذي ما زالوا يماطلون من أجله كل هاتيك الشهور الطوال. لقد لبثنا نحذّر -أنا وأمثالي من الكتّاب والمتحدثين، ممن هم أعلم مني وأفهم في شؤون السياسة والعلاقات الدولية-، لبثنا نحذّر من التدخل الأجنبي حتى انبرت ألسنتنا ونفد مدادُ أقلامنا، فهل ظننتم أنهم سيتدخلون لمساعدتنا حباً بنا وحرصاً علينا ورحمة بصغارنا وضعفائنا؟ أليسوا هم أنفسهم الذين دعموا حكم الأسد الكبير ومن بعده ابنه الأسد الصغير؟ مجرم من صلب مجرم لا يدعمه ضد شعبه إلا مجرم! أما فهمتم بعد -يا أيها العقلاء- أن أولئك القوم عدو لنا، وأن مَن اطمأن إلى عدوه لا يكون عاقلاً؟ أما علمتم بعد -يا أيها العقلاء- أنهم لم يحبّونا في يوم قط ولا يحبوننا اليوم، وأنهم لا يتدخلون في بلادنا إلا ليضمنوا مصالحهم ومصالح عدونا الصهيوني؟
أرجو أولاً: أن لا تستهينوا بما يخططه لنا أولئك القوم، فإنهم قوم غير مأمونين، وهم أيضاً ذوو نفوذ وتأثير في دوائر صنع القرار السياسي في الدول الغربية والمنظمة الدولية.
ثانياً: أرجو أن تتحركوا بسرعة لقطع الطريق على أي خطة من هذا النوع، فلا أنا ولا مائة من أمثالي نستطيع أن نصنع شيئاً ولا نملك عُشر معشار القوة التي تملكونها أنتم يا أيها الثوار الأحرار على أرض الجهاد والرباط. في المقالة الماضية حرصت على أن أوضح أنكم أنتم -يا جمهور الثورة العظيم- الطرف الأقوى من بين الأطراف جميعها، وبالغت في بيان تلك النقطة واستطردت فيها لأصل إلى هذه الكلمة هنا: أنتم أقوى منهم، أنتم دفعتموهم إلى التحرك لحل الأزمة، ولو أن النظام نجح في قمع ثورتكم لأراحهم وأفرحهم، ولكن صبركم وثباتكم أربك كل الحسابات ودفعهم إلى البحث عن مخرج، وطالما تشبّثتم بهدفكم ورفضتم الحلول الوسطية والتوفيقية فإنهم مضطرون إلى الإذعان لكم والبحث عن طرائق أخرى لتمرير مؤامراتهم.
يا ثوار سوريا الأحرار: من رأى العبرة بغيره فليعتبر. ها هم إخوانكم السابقون في مصر أوقدوا ثورة عارمة انتهت بسقوط حاكم وبقاء نظام، وها هم اليوم يَجهدون لإكمال الطريق بعدما فقدت الثورة قوتها الدافعة، فلا ترتكبوا الخطأ الذي ارتكبوه ولا ترضوا بغير النصر الكامل؛ لا يعودَنّ إلى بيته أحدٌ منكم حتى يسقط النظام، كل النظام، وحتى تتحرر سوريا كلها بإداراتها وأجهزتها الأمنية وجيشها من تسلط النظام وتحكم النظام وحتى تعود ملكاً للشعب، لا لأحد سوى الشعب، لا لعائلة ولا لعصابة ولا لطائفة، كائنةً تلك العائلةُ أو العصابة أو الطائفة مَن تكون.

-4-

أعيد وأكرر وسوف أكرر من بعد وأعيد: أنتم الطرف الأقوى من بين الأطراف كلها، أنتم قادة اللعبة وفي يدكم مفاتيح الحل لا في أيادي غيركم. أنتم أقوى من النظام، والدليل أن النظام لم يهزمكم. أنتم أقوى من المجتمع الدولي، والدليل أن المجتمع الدولي يتحرك بناء على إيقاع ثورتكم. إياكم أن تستسلموا لمؤامرات الغرب أو تنخدعوا بها، إياكم.
لقد دفعتم إلى اليوم ثمناً عظيماً لشراء سلعة ثمينة، دفعتم لشراء الحرية عشرةَ آلاف شهيد ومئات الآلاف من المعتقلين والمغيَّبين والمشرَّدين والمعذَّبين، فلا تقبلوا أن تعودوا إلى نقطة البداية. أقسم بالله إن مليون شهيد، على رأسهم أنا وأولادي الخمسة -بإذن الله-، يهونون في سبيل عدم العودة إلى أول الطريق. لقد ارتكب آباؤنا وأجدادنا الخطأ الأكبر حينما سمحوا بتسلط الأقلية العلوية على سوريا، وبسبب تقصيرهم وسكوتهم دخلت سوريا في نفق مظلم طويل بلغ طوله -وأنا أكتب هذه الكلمات- ثمانية وأربعين عاماً وتسعة أشهر وخمسة أيام، والله وحده يعلم كم بقي من طوله المشؤوم قبل بلوغ نهايته والخروج إلى النور.
لن نكون مغفلين فقط لو رضينا بأن نبقى تحت رحمة الأقلية العلوية بعد اليوم، سوف نكون بالأحرى مجرمين بحق أنفسنا وبحق أولادنا والأجيال القادمة.
بسبب تسلط الأقلية العلوية على سوريا عاشت سوريا أسوأ فترة مرت عليها في بضعة عشر قرناً، فإننا ما عرفنا المجازر والإبادات الجماعية إلا في اجتياحَي المغول والتتار الأول والثاني، وإنما استمرّت المحنةُ حينها -على قسوتها- بضعَ سنين، أما أن نعيش نصفَ قرن في المحنة والعذاب فلا سابقةَ لذلك في تاريخ سوريا المدوَّن، ولا حتى أيام العثمانيين الذين ظلمَتهم مناهجُ التعليم البعثيّة القومية وتابعناها نحن على ظلمهم غفلةً منا وتأثراً بالمناهج التي قرأناها لأجيال، وقد آن الأوان أن نصحّح الخطأ وأن نعلم أن العهد العثماني كان خيراً بألف مرة من العهد الأسدي البائس، وأن سوريا عاشت تحت ظل تلك الدولة لقرون في أمان واستقرار.
لا والله لن نسكت بعد اليوم ولن نرضى أن تحكمنا ولا أن تتحكم فينا أقلية. سنقبل أن يشاركنا الآخرون، هذا حق محفوظ للجميع. سنحرص على أن يعيش كل سوري في وطنه بكرامة وأمان، هذا هو جوهر الحرية التي نسعى إليها. سنضمن العدالة للجميع -بإذن الله- ولن يحاسَب إلا المجرمون، من أي فئة كانوا… أمّا أن تحكم أقليةٌ أكثريةَ الشعب فلا وألف لا.
ليقل عني من شاء أن يقول إني طائفي، وليقل عنكم من شاء أن يقول إنكم طائفيون، فإن طائفياً حراً أهون من لا طائفي يعيش هو وذريته حياة العبيد.

* * *

يا أيها الثوار الأحرار، يا جند الشام الكرام: اصرخوا في وجه وزيرة خارجية أميركا وفي وجه مسؤولي وقادة المجتمع الدولي والغربي: لا للجيش الطائفي، لا لأجهزة الأمن الطائفية، لا لحكم الأقلية العلوية، لا لأي مزايا خاصة بالعلويين في سوريا، سوريا وطن حر للجميع ولا إعلاء فيه لطائفة على طائفة.
لا بل امضوا في هتافكم إلى أبعد من ذلك، اهتفوا في وجه الدنيا: "نريد ضمانات لحماية الأكثرية في سوريا".
إن من مهازل الزمان أن تسعى الأكثرية إلى طلب ضمانات لحمايتها من الأقلية، ولكن هذا ما أوصلتنا إليه مؤامرات الغرب على بلادنا، من أيام الفرنسيين الغابرة إلى أيام الأميركان الحاضرة. ولكن ليس اليوم كالأمس؛ لن تأكلونا مرة أخرى -بإذن الله-؛ نقسم بالله العظيم إنّا لن نقبل أن نعود إلى النفق المظلم بعدما خرجنا إلى النور، ليس بعد مائة ألف معذَّب وعشرة آلاف شهيد.

المصدر: موقع الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع