..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

كان الموت أسرع من رفة عينيها الصغيرتين

محمد ياسر الطباع‏

٢٢ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 10574

كان الموت أسرع من رفة عينيها الصغيرتين
000 شهيدة.jpg

شـــــارك المادة

دوى صوت كالرعد واهتزت جدران المشفى حتى نفضت بعض التراب عن جدرانه...
كنت في مدخل المشفى ولم أر الوميض، ولكن قال أحدهم نزلت في أول الشارع ورأيت كرة نار أضاءت السماء...
خرج أبو عبدو سائق الإسعاف مسرعاً من باب المشفى وانطلق في سيارة الإسعاف إلى مصدر الصوت والنار...


مضت خمس دقائق ونحن ننظر باتجاه مكان القصف دون أن نرى أي سيارة إسعاف قادمة... فقال أحدهم، الحمد لله، سليمة، ما اتصاوب حدا.

و ماهي إلا ثواني حتى كذّب صوت سيارات الإسعاف القادمة ظنه...
سيارة مرسيدس قديمة نزل منها رجل يحمل ابنته الصغيرة، لم تكن مصابة، ولكن مصدومة ووجهها وشعرها يغطيه غبار أبيض ناعم...
و سيارة أخرى خصوصية... ولكن لا إصابات حقيقية والحمد لله...
ثم بدأت سيارات الإسعاف بالوصول...
و دخل رجل يحمل طفلة بيديه...
ذراعاها مرخيتان وشعرها المخضب بالدم يغطي فروة ممزقة ودماغاً يكاد يخرج من رأسها...
سجاها على سرير الإسعاف الأسود بهدوء... وبقيت هادئة...
وجه جميل أبيض زاد بياضه غبار غطاه وجفف عينين يانعتين لم تستطيعا الإغلاق قبل حدوث الفاجعة...
كان الموت أسرع من رفة عينيها الصغيرتين...
انزلق دماغها من رأسها ليقول لمن حولها، لا تحاولوا إسعافي، فقد غادرتكم إلى جوار ربي... صرت عصفورة في طريقي إلى السماء...

انشغل عنها الأطباء بجريحة تصل بعد الأخرى، كلهن كن يافعات... إحداهن يثعب الدم غزيراً من جرح غائر في رقبتها... وثانية مفتوح بطنها وجرح كبير يظهر عضلات وشرايين فخذها...
لحظات متسارعة تظهر خبرة وثبات وجأش فريق طبي شاب يفرزها ويحولها إلى غرف العمليات الثلاثة الجاهزة... ثم يباشر بالعمل.

انشغل عنها الجميع محاولين إنقاذ أخواتها وجيرانها وتركوها مسجاة لوحدها على السرير...

قطع أفكاري طفل يبلغ الحادية عشرة وهو ينظر إليها في خوف وهلع... عمو، شو صار معها؟
- ما تخاف حبيبي، ما تشيل همها...
كان يسأل عنها وهو ملقى على سرير يواجهها بانتظار من يكمل فحصه ليتأكد من خطورة الجرح الصغير الغائر في حوضه.
عاد ممرض وغطى الطفلة في كفن أبيض صغير وحملها ولكن نسي أن يحمل دماغها الذي بقي على سرير الإسعاف الأسود محاطاً ببركة دم صغيرة...

أخرجوا الفتاة بكفنها إلى خارج المشفى وتركوها على مصطبة في العتمة تنتظر أماً مكلومة تحضنها...

دخل رجل خمسيني يسأل عن الطفلة الشهيدة...
- سألته، هل أنت والدها؟
- لا، قريب العائلة...
- عظم الله أجركم وأعانكم على مصابكم...
- فقال لي: سبحان الله، هذه الطفلة ورد اسمها ضمن شهداء مجزرة مدرسة عين جالوت في العام الماضي، اسمها سارة، ظنوها تحت الركام مع زميلاتها، ولكنهم اكتشفوا أنها تأخرت ذلك اليوم ولم تذهب إلى المدرسة.

نجت ذلك اليوم...

ثم سكت والعبرة تخنقه.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع